كانت تجلس في منزلها الخرب بائسة، حزينة، وحيدة، تفكر في مشاكلها الكثيرة.. وفجأة.. سمعت طرقات الباب.. انقبض قلبها في خوف.. دومًا تتوقع مشاكل أو مصائب.. علمتها الحياة أن الجديد دومًا أسوأ.. فإما مطالبات الدائنين.. أو شكوى المشتكين.. أو صراعات المحيطين.. قامت لتفتح وهي مرتجفة.. وأقصي احلامها أن يكون الأمر مشكلة صغيرة
فتحت ووجدت ملك البلاد امامها.. بنفسه.. قالت في نفسها أن هذه نهايتها… هلاكها قد أتي.. ذاك أسواء أحلامها.. لكنها وجدته هادئ الوجه.. مبتسمًا.. بعث وجهة المملوء سلام قليل من الطمأنينة فيها.. أو لنقل.. قلل من توترها وتوقعاتها السلبية.. دخل ولم يتكلم.. ولم تجرؤ هي أن تفتح فاها لتتكلم.. دخل بيتها الخرب.. بينما هي خجلي من حاله… وحالها.. سوف تتسخ ملابسه النظيفة جدًا من بيتها القبيح.. يا لعارها.. نظر إلى عينيها.. ثم فاجأها وأخبرها أنه يحبها.. ويطلب الزواج منها.. لم تصدق، وشرحت له من هي.. وحالها.. كانت متأكدة أن هناك أمر ما غير سليم.. كمن يطلب رقم تلفون خاطئ.. قال لها هادئَا.. أنه يعرفها جيدًا.. ويعرف كل كبيرة وصغيرة عن حياتها.. أنه يعرف كل شيء.. ويحبها.. أفاضت في شرح مشاكلها وحالها لكي يتراجع، مؤكد أنه أخطأ الاختيار والفهم.. ابتسم وأخبرها انه يعرف مشاكل أكثر عنها، مشاكل حتى هي لا تعرفها.. لكنه يعرف أن خلف كل تلك المشاكل.. شخصيتها الحقيقية التي هي جزء منه.. شخصية الملكة التي خربت الظروف حياتها.. بل وخربت هي نفسها.. ويعرف كيف انه سويًا سنتجاوز مع كل تلك المشاكل.. تجاوزت صدمتها بصعوبة.. ثم بدأت تفرح بذلك الحب الغير مسبوق.. فرحت ولم تصدق نفسها من السعادة، فها كل مشاكلها سيتم حلها.. تنتظرها حياة جديدة.. معه! اعد الملك زواج هادئ جدًا وبسيط لا يتناسب مع مكانته.. بالطبع لم تعترض.. ولم تطلب أي شيء.. وبعد الزواج، وجدت الملك وقد انتقل ليعيش في منزل العروس الخرب! كانت صدمتها شديدة، كانت تظن أنها ستنتقل معه لقصر الملك وتحيا ملكة متوجة كما قال لها هي لم تطلب.. ولم تحلم.. لكن إن كان هو قد أتي ليجعلها ملكة.. فكيف يأتي هو ليحيا كفقير وحقير؟ لقد قال إنه يحبها، ألن يستخدم سلطته ليسعدها ويحل مشاكلها؟ ألن يصدر قوانين في صفي، ويأمر بمنحة تجاهي؟ تكلمت معه منهارة، مرتبكة.. عاجزة عن فهم ما يدور ابتسم بهدوئه المعتاد وسلامة الشديد وقال: أنا أتيت كزوج وليس كملك.. تركت ملكي خارجا واحببتك رأيتك ملكة من الداخل.. كما أني ملك من الداخل احببتك انت بحالك، وسأشاركك حالك كما هو، كل يوم.. حتى تصيري الملكة المشتهاة.. ومعًا سنبني البيت الخرب، ونغير الحال، يوما فيوما سنحل كل مشكلة وسأشاركك بكل حياتي ونسير وسط التحديات.. ردت مذهولة: ولم كل هذا العذاب، لماذا لا ننتقل للقصر مباشرة وتحيا حياتك وتجعلني زوجتك؟ أجاب هامسًا في اذنها وهو يحتضنها: حبيبتي.. انت بالفعل زوجتي! لكن لو حدث ما تتوقعين سوف يدمرك، مشاكلك الكثيرة داخلك أكثر من حولك.. لو ذهبنا للقصر ستتركينني أنا، وترتبكي بالقصر، وستفرحين بالمكان وتنسي صاحبه.. ستكونين في ثوب ملكة وانتِ من الداخل عبدة.. انتِ لست عبدة حتى اعطيك منحة، أو أغير قانون ما لصالحك.. انتِ زوجتي المحبوبة.. يقولون علي ملك مجنون، لأني لبست ثيابك وعشت حياتك.. يشككون في ملكي، ويقولون تعالِ الملك عما يصفون.. فهل ستفعلين مثلهم لأني احببتك وتركت عرشي لأجلك ونزلت معك لأرفعك؟ هل تصري على معاملتي كملك وعبدة؟ ولا تصدقي زواجنا؟ أم ستفرحين بي وتتبعيني كل يوم بكل قلبك، تقتبلي مني الحياة، ونغير الحال سويًا.. لقد احببتك وقررت أن اغيرك، واعبر معك تحدياتك، واعطيك حياتي.. حتى تصلحين للمملكة.. وحينها.. تنتقلين للقصر، وساعتها.. ستفهمين الملّك كما لم تفهمي.. انت ملكة من الداخل.. هكذا أنا.. وسر ملكي كله.. الداخل.. وهكذا سر ملكك أنت
كُلُّهَا مَجْدٌ ابْنَةُ الْمَلِكِ فِي خِدْرِهَا (الداخل). مَنْسُوجَةٌ بِذَهَبٍ مَلاَبِسُهَا. (مز 45: 13)
لأَنَّهُ كَامْرَأَةٍ مَهْجُورَةٍ وَمَحْزُونَةِ الرُّوحِ دَعَاكِ الرَّبُّ وَكَزَوْجَةِ الصِّبَا إِذَا رُذِلَتْ قَالَ إِلَهُكِ. لُحَيْظَةً تَرَكْتُكِ وَبِمَرَاحِمَ عَظِيمَةٍ سَأَجْمَعُكِ .(اش 54: 6 – 7)
أَيَّتُهَا الذَّلِيلَةُ الْمُضْطَرِبَةُ غَيْرُ الْمُتَعَزِّيَةِ هَئَنَذَا أَبْنِي بِالأُثْمُدِ حِجَارَتَكِ وَبِالْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ أُؤَسِّسُكِ وَأَجْعَلُ شُرَفَكِ يَاقُوتاً وَأَبْوَابَكِ حِجَارَةً بَهْرَمَانِيَّةً وَكُلَّ تُخُومِكِ حِجَارَةً كَرِيمَةً وَكُلَّ بَنِيكِ تَلاَمِيذَ الرَّبِّ وَسَلاَمَ بَنِيكِ كَثِيراً. (اش 54: 11 – 13)
منقول من